ميعاد احياء الذكرى العاشرة للثورة التونسية لهذه السنة .. لم تفارق الابتسامة مُحيّاها وهي تقدّم لنا القهوة وقليل من الحلويات، في مسعى يائسة لاخفاء الحزن الذي مملاذ شكل وجه وجهها وتفاصيل عباءتها السمراء.

رافقتنا راضية الدزيري، متوفى زوجها مصاب الثورة طارق الدزيري، إلى قاعة أخرى من البيت الذي لم يكن يقي سكانه برد الشتاء ولا يحافظ عليهم من قطرات المطر التي تتسرّب إلى جدرانه دون استئذان، لتسترجع تفاصيل سبقت مصرع قرينها في مستهل العام الحاضر في أعقاب مكابدة طويلة مع الداء والإهمال.

ميعاد احياء الذكرى العاشرة للثورة التونسية لهذه السنة

 

جلست راضية على مكان للجلوس بلاستيكي قُبالتنا، حافظت على ابتسامتها الهادئة وأرفقتها بنظرات تختزل ألم سنين وكرب ضياع مَن كانت قد اختارته رفيق ممر و شريكا في الحياة. بدأت تتكلم بهدوء مسبب للألم عن الأعوام الأخيرة لزوجها الراكب ورحلة مداواته الطويلة في حضور جمهورية خيّرت إهمال أبنائها الذين خرجوا ذات ثورة منادين بحقهم في العمل والحرية والكرامة الوطنية.

 

لم تفارق الابتسامة مُحيّاها وهي تقدّم لنا القهوة وقليل من الحلويات، في مسعى يائسة لاخفاء الحزن الذي ملجأ تفاصيل شكلية وجهها وتفاصيل عباءتها السمراء.

رافقتنا راضية الدزيري، متوفى زوجها مصاب الثورة طارق الدزيري، إلى قاعة أخرى من البيت الذي لم يكن يقي سكانه برد الشتاء ولا يحافظ عليهم من قطرات المطر التي تتسرّب إلى جدرانه دون استئذان، لتسترجع تفاصيل سبقت مصرع قرينها في مطلع العام الحالي حتى الآن مكابدة طويلة مع الداء والإهمال.

جلست راضية على مكان للجلوس بلاستيكي قُبالتنا، حافظت على ابتسامتها الهادئة وأرفقتها بنظرات تختزل ألم سنين ووجع ضياع مَن كانت قد اختارته رفيق مسار وشريكا في الحياة. بدأت تتكلم بهدوء مسبب للألم عن السنين الأخيرة لزوجها الواحد من أفراد الرحلة ورحلة مداواته الطويلة في حضور جمهورية خيّرت إهمال أبنائها الذين خرجوا ذات ثورة منادين بحقهم في المجهود والحرية والكرامة الوطنية.

تحمّس طارق -تقول قرينته متذكرة- إثر بصيرة المسيرات التي غزت أنحاء من البلد التونسية، وقرّر المساهمة في الاحتجاجات التي كانت تشهدها بلدة التحليل الموالية لولاية زغوان ابّان الثورة التونسية.

تأخر طارق يومها عن توقيت الرجوع إلى منزله بأسلوب غير معتاد فيما إستمرّت قرينته قلقة لم يغفل لها جفن ليلة كاملة على أن حلّ غداة اليوم التابع حاملا بصحبته نبأ إصابته ونقله إلى المستشفي بالفحص.

كان المصحة يسكن موجة من الحالة الحرجة. تاهت راضية بين من يقول إن طارق قد فارق الحياة وبين من ينفي هذا ويؤكد أنه جريح غير أنه لا يزال على قيد الحياة، حتّى إستطاع القلة من معارفه من إيجاده في المركز صحي الجهوي ببن عروس في جنوب العاصمة.

راضية دائما ما اعتقدت أنّ قرينها عصيب جراء العملية التي أجراها لتنقيب الرصاصة من أدنى ظهره، أو نتيجة لـ الرصاصة الثانية التي سكنت في رئته وبقيت فيها، وقد كانت تعتقدّ ايضاًً أن انتفاخ رجليه مردّه مظاهر واقترانات ثانوية للبنج أو لأحد العقاقير التي تناولها.

على مدار أسبوع، كنّا نزوره في المستشفي، إلا أن لم يخطر ببالنا يوما أنّ تبرير بقائه المطرد في السرير وعدم مغادرته له هو إصابته بالشلل، فحتّى الدكتور المعالج له لم يعلمنا بذاك.

تؤكد راضية الدزيري بنبرة تستبطن العدد الكبير من الحسرة والعذاب أنّ التحويل السياسي الذي حصل بين 2011 و2014 كانت له انعكاسات على وحط أسرتها الجوهري والنفسي:

”عقب مبالغة المنصف المرزوقي إلى رئاسة الدولة إستطاع زوجي كغيره من مصابين الثورة، من الاستحواذ على دواء وعقاقير بلا مقابل وخصصت له جراية شهرية تصل سعرها خمسمائة دينار. وتمّ ايضا التعهّد بملفه وتسفيره إلى دولة الجمهورية الفرنسية لاستكمال الدواء. إلا أن شاءت الصدف أن يتزامن تاريخ سفره مع انتصار الراكب الباجي زعيم السبسي بالانتخابات الرئاسية، لتُحجب الأسرة فيما بعد من الجراية التي عوّضت بأخرى لا تجتاز ثمنها الـ200 دينار. وفوجئ طارق بتعطيل مدة مداواته باكرا وإعادته إلى تونس قبل الزمان الماضي النظري لهذا، بالإضافة إلى حرمانه من الاستحواذ على العقاقير بأسلوب بدون مقابل“.

مع تزايد الواحد من أفراد الرحلة الباجي زعيم السبسي الى الرئاسة تمّ تقليل الجراية الخاصة لجرحى الثورة من خمسمائة دينار الى مائتين دينار مع حرمانهم من الاستحواذ على العقاقير بأسلوب بدون مقابل.

أيام طارق الأخيرة كانت جحيما، فرغم اشتداد توعكه الصحي وتدهور حالته، لم تستجب الرئيسة الفائتة للهيئة العامة للمقاومين وشهداء وجرحى الثورة والإجراءات الإرهابية آمال المستوري لاتصالاته إلا أن وتجاهلت توسلات قرينته -وفق إفادات تلك الأخيرة- التي ترجّتها أن ترسل إليه عربة إسعاف تنقله إلى المستشفي العسكري، خاصة أنّ فحص الدم الذي أجراه قبل موته بأيام أثبت أن حالته خطرة، على أن فارق الدزيري عمره في حجرة في بيته لمنخض الحرارة، وسط دموع ابنه وقرينته.

الكيفية التي تم عن طريقها التصرف مع الفقيد طارق الدزيري أثناء الأعوام الأخيرة من وجوده في الدنيا لم تطلع عن السائد، فالدولة بمختلف مؤسساتها المقصودة تجاهلت لسبب أو لآخر ملف شهداء الثورة وجرحاها على أكثر من صعيد وهو الذي ازداد في مكابدة العائلات التي واصلت تكابد هول المأساة.

ولئن أدّى ذلك التقاعس إلى مصرع مجموعة من مصابين الثورة، ومنهم طارق الدزيري، فانّ عددا كبيرا من المجروحين مازالوا يترقبون حلّا مطلقا لملفاتهم، خاصة بعدما عجز القضاء عن إنصافهم ومحاسبة من أجرموا في حقهم.

مصابين الثورة يواجهون بالاستعلاء

وليد الكسراوي، ابن الـ32 ربيعا، إبتلى أثناء إشتراكه في في التظاهرات التي جدّت داخل حدود منطقة الكرم من الغرب عشية يوم 13 جانفي 2011، قبل إجابات ميعاد تحريم التجوّل الذي رضيّته الجمهورية آنذاك.
يقول وليد، وهو يسترجع ذكريات هذا اليوم بهدوء:

في حواجز الساعة السادسة والنصف عشية، وجدتُ نفسي في مؤتمر رجل أمن، لم يقدّم لي أيّ دلالة للتوقّف كالصراخ أو تدشين رصاصة في الرياح، لكن أطلق عليّ النار على الفور إذ أصبت في قدمي.

تم نقل وليد إلى مصحة المنجي سليم بمنطقة المرسى، سوىّ أن إصابته كانت خطيرة. كان ينزف بأسلوب متسارع وفي طلب ماسة إلى الدماء، ليقع نقله إلى المشفى العسكري الذي استقبله بمقتضى مرسوم فردي اتخذته الادارة ثمة.

في هذا اليوم، سقط أول شهيد داخل حدود منطقة الكرم من الغرب بجوار الكثير من المصابين بعدما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص القاتل لمجابهة المحتجين الذين لجأوا إلى استخدام الحجارة.